نستكمل مقالتنا :

Far Cry 5

طوائف تلفزيونية متطرفة تستظل بالتعديل الأول للدستور الأمريكي

ias

تدور رحى الأحداث في Far Cry 5 في أرجاء مقاطعة Hope المتخيلة في ولاية مونتانا الأمريكية، حيث تقدم اللعبة تصويرًا متطرفًا لكنه مع ذلك مألوف للمجتمع الأمريكي الراهن، وذلك عبر عدسة مشوهة تعكس صورًا نمطية عن الريف الأمريكي ومخاوفه العميقة. في هذا العالم، لا يوجد منطقة رمادية: إما أن تكون مدججًا بالسلاح، أو منغمسًا في نظريات المؤامرة، أو تعيش على حافة الجنون السياسي، أو تستعد ليوم القيامة من داخل ملجأك المحصن تحت الأرض.

لكن النبض الحقيقي للعبة ينبعث من شخصية Joseph Seed، الزعيم ذو الكاريزما لطائفة دينية متطرفة، يقدم نفسه كمبعوث سماوي ويجمع حوله أتباعًا مخلصين يؤمنون بخلاص آتٍ في صورة فوضى شاملة. يستغل Seed مبادئ الحرية الدينية وحرية التعبير التي يكفلها التعديل الأول للدستور الأمريكي كستار لبناء إمبراطورية روحية مسلحة تتحكم فيها قوانين دينية صارمة وتهديدات مبطنة. إنه ليس فقط نتاجًا لخلل اجتماعي، بل هو أيضًا نتاج للبيئة القانونية والسياسية التي تسمح لشخص مثله بالتحرك دون رادع.

تجسد Far Cry 5 هذه التناقضات الصارخة في كل ركن من أركان خريطتها الشاسعة: من كنائس تم تحويلها إلى مستودعات للأسلحة الفتاكة، إلى مزارع مشبوهة تدعي أنها تقدم الخلاص، إلى سكان محليين بين متمردين وثائرين وبين خانعين ومذعنين. الأمر الذي يزيد اللعبة إثارة وتشويقًا هو أنها لا تكتفي بالتهكم والسخرية اللاذعة، بل توضح كيف يمكن للمبادئ التي قامت عليها دولة أن تستخدم لتقويضها من الداخل، في مشهد مروع يجمع بين العنف الوحشي، والرمزية الدينية المتطرفة، والهوس الوطني الأعمى، ويفتح الباب أمام التساؤلات حول الحد الفاصل بين الحرية المطلقة والفوضى العارمة.

Saints Row 4

أمريكا كما يراها كائن فضائي مسرور بجرعة زائدة من مشروب طاقة

لطالما اشتهرت سلسلة Saints Row بجنونها المطلق وسخريتها المفرطة من ثقافة ألعاب الفيديو والواقع الأمريكي المعاصر، ولكن Saints Row 4 تتجاوز كل الحدود وتنفجر بكل ما للكلمة من معنى إلى مستويات جديدة تمامًا من الفوضى الساخرة والكوميديا السوداء. بعد أن يصبح اللاعب رئيسًا للولايات المتحدة في مشهد ملحمي يستعرض فيه إيقاف صاروخًا نوويًا في الجو على أنغام أغنية Aerosmith الشهيرة، سرعان ما يبدأ غزو فضائي بقيادة Zinyak الشرير، ليتحول الحلم الأمريكي الوردي إلى محاكاة مجنونة مغطاة بأعلام الولايات المتحدة ومغمورة في بحر من الطاقة القصوى.

تجري أحداث اللعبة بالكامل داخل محاكاة رقمية معقدة قام بإنشائها الفضائيون الغزاة، وتتراوح بين عوالم مستوحاة من برامج الستينيات الكوميدية المرحة إلى بيئات مأخوذة مباشرة من فيلم The Matrix الشهير، حيث تتجسد السيطرة المطلقة بشكل بصري مذهل وصادم. تستخدم اللعبة هذا العالم العبثي والجنوني لتسخر من كل شيء بلا هوادة: من نظرية الاستثناء الأمريكي الزائفة، إلى جنون العظمة المتفشي لدى القادة السياسيين، إلى الهوس بفكرة "المنقذ" في الثقافة الشعبية الأمريكية السائدة. كل ذلك مغلف بتفجيرات مدوية من الأسلحة المستحيلة مثل مسدس الدبستب الغريب، وأزياء تنكرية لا تُنسى، وعبارات ساخرة وحادة تُطلق كوابل من الرصاص في كل حوار.

Saints Row 4 لا تقدم مجرد تجربة لعب فريدة من نوعها وخارجة عن المألوف، بل ترفع مستوى السخرية إلى أبعد الحدود، حيث لا تبقى أي قيمة ثقافية أمريكية بمنأى عن النقد أو التهكم اللاذع، من السياسة المتقلبة إلى الإعلام المضلل، من الوطنية الزائفة إلى الجنون التكنولوجي، كل ذلك يتم إلقاؤه في وعاء كبير ويخرج في صورة محاكاة ساخرة تفضح الواقع المرير بقدر ما تضحك عليه.

Grand Theft Auto 5

سيارات فارهة وأسلحة فتاكة وملحمة الجريمة الأمريكية الكبرى

لطالما عُرفت سلسلة Grand Theft Auto بأنها مرآة مشوهة وهزلية للحياة الأمريكية المعاصرة، لكن Grand Theft Auto 5 تأخذ هذا التهكم إلى أبعد مدى ممكن، حيث تعرض مدينة Los Santos كنسخة سوداوية وحارقة مشتعلة بالهوس والجشع المستعر من مدينة لوس أنجلوس الحقيقية، وكأنها تمثل أمريكا وقد تحولت إلى دوامة لا نهاية لها من الطموح الأعمى والجريمة المنظمة والوهم الجماعي بالنجاح الزائف والحرية المزعومة.

كل زاوية من زوايا اللعبة تنضح بالسخرية اللاذعة: الإعلانات التجارية السخيفة التي تبيع الوهم والتفاهة، مذيعو الراديو الذين يتحدثون وكأنهم أبواق رأسمالية مأجورة، والبرامج التلفزيونية التي تسوّق لأسلوب حياة سطحي لا معنى له سوى المزيد من الاستهلاك المفرط والفراغ الروحي. اللعبة لا تكتفي بإطلاق النيران على الواقع المرير، بل تقوم بتفكيكه بهدوء وروية قطعة قطعة، لتكشف عن مدى هشاشة الحلم الأمريكي الزائف بعد الأزمة المالية الطاحنة لعام 2008، حين بدأ القناع المزيف في السقوط عن "أرض الفرص" الموعودة وتحولت إلى مسرح عبثي يعج بالمحتالين والمنهزمين والأغبياء.

أما الأبطال الثلاثة فهم بمثابة تجسيد حي لفصول هذا الكابوس الأمريكي المروع: Michael الغارق في الثراء الفاحش والاكتئاب الحاد، والذي يعاني من فراغ داخلي قاتل لا تستطيع كل سياراته الفارهة ولا ألعابه النفسية مع معالجه النفسي أن تملأه. Franklin يمثل الشاب الأمريكي الطموح الذي يحلم بالنجاح، ولكنه عالق في نظام اجتماعي طبقي يشبه المصعد المعطل؛ يسمع عن إمكانية الصعود، ولكنه لا يتمكن من الوصول إليه أبدًا. وTrevor، هو الفوضى المطلقة المتجسدة، إنه ليس مجرد شرير تقليدي، بل هو تجسيد كامل للعنف الأعمى والغضب الجامح والجنون المطلق، وكأنه يصرخ في وجه كل من يحاول تبرير الواقع الأمريكي الحديث.

Grand Theft Auto 5 لا تسخر من أمريكا فحسب، بل تتعاطف معها في صمت وحزن. إنها لا ترسم كاريكاتيرًا مبالغًا فيه، بل تقرّب الكاميرا أكثر فأكثر من واقع مكسور ومتهالك، تُرك ليتعفن ويهترئ دون أي محاولة للإصلاح. في هذا العالم اليائس، لا يوجد مفر ولا يوجد خلاص، ولا حتى فرصة للتوبة أو الندم. كل ما يمكنك فعله هو القيادة بأقصى سرعة ممكنة، والتسلح حتى الأسنان، والمشاركة بفاعلية في حفلة الجنون التي أصبحت واقعًا لا مفر منه.